بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لمــــــــــــــــــاذا غيَّر القرآنُ الصحابة؟!
الذي مَكَّن القرآن على إحداث هذا التغيير الجذري في جيل الصحابة هو حسن تعاملهم معه، بعد أن أدركوا قيمته وفهموا المقصد من نزوله. ولقد كان أستاذهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدوتهم في ذلك؛ فلقد عايش صلى الله عليه وسلم القرآن بكيانه كله وانصبغت حياته به، حتى صاروكأنه قرآنٌ يمشي على الأرض، يغضب لغضبه، ويرضى لرضاه. كان صلى الله عليه وسلم يقرأالقرآنَ قراءةً متأنية مُتَرسِّلة، فيرتل السورة حتى تصبح أطولَ من أطول منها، ولقدظل صلى الله عليه وسلم ليلةً كاملةً يردد في صلاته آيةً واحدةً وهي قوله تعالى:{إنْ تعذبهم فإنهم عبادُك وإنْ تغفر لهم فإنك أنت العزيزُ الحكيم}[المائدة: 118]. بل إنك لتعجبُ من قوة تأثير القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يخبرنا بقوله:" شيبتني هودٌ وأخواتهاقبل المشيب"[صحيح الجامع الصغير، ح(3721)
أما تأثيرالقرآن على الصحابة؛ فخَيرُ دليلٍ عليه هو واقعهم الذي تبدل، واهتماماتهم التي تغيرت، فإنْ أردتَ مثالاً لكيفية معايشة الصحابة للقرآن وقوة تأثيره عليهم، فانظرإلى أمر عَبَّاد بن بِشْر الذي كان يتبادل حراسة المسلمين مع عمَّار بن ياسر في غزوة ذات الرِّقاع، فطلب من عمار، وقد كان مُجْهَدًا، أن ينام أول الليل ويقف هو،فلما رأى أن المكان آمِنٌ صلى، فجاء أحد المشركين فرماه بسهمٍ فنزعه وأكمل صلاته،ثم رماه بسهمٍ ثانٍ فنزعه وأكمل صلاته، ثم رماه بثالثٍ فنزعه وأنهى التلاوة وأيقظ عمّارًا وهو ساجد، فلما سأله عمار لِمَ لَمْ يوقظْه أول ما رُمي أجابَ: (كنت في سورةٍ أقرؤها فلم أحب أن أقطعها حتى أنفدها، فلما تابع عليَّ الرمي ركعتُ فآذنْتُك،وأيْم الله؛ لولا أن أُضيع ثغرًا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفدها)
[السيرة النبوية لابن هشام]